سورة النساء - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُم الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} يعني آدم، وفي ذلك نعمة عليكم لأنه أقرب إلى التعاطف بينكم.
{وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} يعني حواء، قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن خلقت من ضلع آدم، وقيل الأيسر، ولذلك قيل للمرأة: ضلع أعوج.
{وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثيراً وَنِسَاءً} روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عند نزولها عليه: «خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فَهَمَّهَا فِي الرَّجُلُ مِنَ التَّرابِ فَهَمُّهُ فِي التُّرابِ».
{وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ} ومعنى قوله تساءلون به، هو قولهم أسألك بالله وبالرحم، وهذا قول مجاهد وإبراهيم، وقرأ حمزة والأرحام بالكسر على هذا المعنى.
وفي الأرحام قولٌ آخر: أنه أراد صِلُوها ولا تقطعوها، وهو قول قتادة، والسدي، لأن الله تعالى قصد بأول السورة حين أخبرهم أنهم من نفس واحدة أن يتواصلواْ ويعلمواْ أنهم إخوة وإن بعدواْ.
{إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيباً} فيه تأويلان:
أحدهما: حفيظاً، وهو قول مجاهد.
والثاني: عليماً، وهو قول ابن زيد.


قوله تعالى: {وَءَاتُواْ اليَتَامَى أَمْوَالَهُم وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: الحرام بالحلال، وهو قول مجاهد.
والثاني: هو أن يجعل الزائف بدل الجيد، والمهزول بدل السمين ويقول درهم بدرهم، وشاة بشاة، وهو ابن المسيب والزهري والضحاك والسدي.
والثالث: هو استعجال أكل الحرام قبل إتيان الحلال، وهو معنى قول مجاهد.
والرابع: أن أهل الجاهلية كانواْ لا يورثون الصغار والنساء ويأخذه الرجل الأكبر، فكان يستبدل الخبيث بالطيب لأن نصيبه من الميراث طيب، وأخذه الكل خبيث، وهو قول ابن زيد.
{وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي مع أموالكم، وهو أن يخلطوها بأموالهم لتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها.
{إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً} والحُوب: الإثم، ومنه قولهم تحوّب فلانٌ من كذا، إذا توقى، قال الشاعر:
فإن مهاجرين تكنفاهُ *** غداة إذٍ لقد خطئنا وحَابَا
قال الحسن البصري: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم وجعل ولي اليتيم يعزل ماله عن ماله فشكواْ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُم فَإِخْوَانُكُم} [البقرة: 220] أي فخالطوهم واتقوا إثمه.
{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَآءِ} فيه أربع تأويلات:
أحدها: يعني إن خفتم ألا تعدلواْ في نكاح اليتامى، فانكحوا ما حَلَّ لكم من غيرهن من النساء، وهو قول عائشة رضي الله عنها.
والثاني: أنهم كانواْ يخافون ألاّ يعدلوا في أموال اليتامى، ولا يخافون أن لا يعدلواْ في النساء، فأنزل الله تعالى هذه الآية، يريد كما خفتم ألاّ تعدلواْ في أموال اليتامى، فهكذا خافوا ألا تعدلوا في النساء، وهذا قول سعيد بن جبير، والسدي، وقتادة.
والثالث: أنهم كانوا يتوقَّون أموال اليتامى ولا يتوقَّون الزنى، فقال كما خفتم في أموال اليتامى، فخافواْ الزنى، وانحكوا ما طاب لكم من النساء، وهذا قول مجاهد.
والرابع: إن سبب نزولها، أن قريشاً في الجاهلية كانت تكثر التزويج بغير عدد محصور، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته، وقَلَّ مالُه، مدّ يده إلى ما عنده من أموال الأيتام، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ}.
وفي قوله تعالى: {مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ} قولان:
أحدهما: أن ذلك عائد إلى النساء وتقديره فانحكوا من النساء ما حلَّ. وهذا قول الفراء.
والثاني: أن ذلك عائد إلى النكاح وتقديره فانحكوا النساء نكاحاً طيباً. وهذا قول مجاهد.
{مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} تقديراً لعددهن وحصراً لمن أبيح نكاحه منهن وهذا قول عكرمة.
{مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} معدول به عن اثنين وثلاث وأربع، وكذلك أُحاد وموحد، وثناء ومثنى، وثلاث ومثلث، ورباع ومربع، وهو اسم للعدد معرفة، وقد جاء الشعر بمثل ذلك، قال تميم بن أبي مقبل:
ترى العثرات الزُّرْق تحت لَبَانِه *** أُحاد ومثْنى أضعفتها كواهِله
وقال آخر:
قتلنا به من بين مَثْنى وموحد *** بأربعة منكم وآخر خامس
قال أبو عبيدة: ولم يسمع من العرب صرف ما جاوز الرباع والمربع عن جهته إلا في بيت للكميت، فإنه قال في العشرة عُشار وهو قوله:
فلم يَسْتَرِيَثُوكَ حتى رَمِدْ *** ت فوق الرجال خِصالاً عشاراً
وقال أبو حاتم: بل قد جاء في كلامهم من الواحد إلى العشرة، وأنشد قول الشاعر:
ضربت خماس ضربة عبشمي *** أدار سداس ألاَّ يستقيما
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا} يعني في الأربع، {فَوَاحِدَةً} يعني من النساء.
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يعني في الإماء.
{ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أَلاَّ يكثر مَنْ تعولون، وهو قول الشافعي.
والثاني: معناه ألاّ تضلواْ، وهو قول ابن إسحاق، ورواه عن مجاهد.
والثالث: ألا تميلوا عن الحق وتجوروا وهو قول ابن عباس، وقتادة، وعكرمة.
وأصل العول الخروج عن الحد ومنه عول الفرائض لخروجها عن حد السهام المسمّاة، وأنشد عكرمة بيتاً لأبي طالب:
بميزان قسط لا يَخيسُ شعيرةً *** ووازن صِدْقٍ وزنهُ غير عائل
أي غير مائل.
وكتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه: إني لست بميزان قسطٍ لا أعول.
قوله تعالى: {وءَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ} اختلف فِيمَنْ توجَّه إليه هذا الخطاب على قولين:
أحدهما: أنه متوجه إلى الأزواج، وهو قول الأكثرين.
والثاني: أنه متوجه إلى الأولياء، لأنهم كانواْ يتملكون في الجاهلية صداق المرأة، فأمر الله بدفع صدقاتهن إليهن، وهو قول أبي صالح.
وأما النَّحلة فهي العطية من غير بدل، وسمي الدين نِحْلَةَ، لنه عطية من الله، وفي تسميه النّحْل بذلك قولان:
أحدهما: أنه سمي نحلاً لما يعطي من العسل.
والثاني: لأن الله تعالى نَحَلهُ عباده.
وفي المراد بالنَّحلة في الصداق أربعة تأويلات:
أحدها: يعني فريضة مُسَمَّاة، وهو قول قتادة، وابن جريج.
والثاني: أنه نحلة من الله عز وجل لهن بعد أن كان ملكاً للأولياء، وهو قول أبي صالحٍ.
والثالث: انه نهى لِما كانوا عليه من خِطْبة الشغار، والنكاح بغير صداق، وهو قول سليمان بن جعفر بن أبي المعتمر.
والرابع: انه أراد أن يطيبوا نفساً بدفعه، كما يطيبون نفساً بالنحل والهبة، وهو قول بعض المتأخرين.
{فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً} يعني الزوجات إن طبن نفساً عن شيء من صداقهن لأزواجهن في قول من جعله خطاباً للأزواج، ولأوليائهن في قول من جعله خطاباً للأولياء.
{فَكُلُوهُ هُنِيئاً مَّرِيئاً} الهنيء ما أعقب نفعاً وشفاء، ومنه هنأ البعير للشفاء، قال الشاعر:
متبدلاً تَبْدُو مَحاسنه *** يَضَعُ الهناءَ مَواضِعَ النُّقبِ


قوله عز وجل {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ} اختلفوا في المراد بالسفهاء في هذا الموضع على أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم الصبيان، وهو قول سعيد بن جبير، والحسن.
والثاني: أنهم النساء، وهو قول ابن عمر.
والثالث: أنه عنى الأولاد المسرفين أن يقسم ماله فيهم فيصير عيالاً عليهم، وهو قول ابن عباس، وابن زيد وأبي مالك.
والرابع: أنه أراد كل سفيه استحق في المال حَجْراً، وهو معنى ما رواه الشعبي عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري أنه قال: ثلاثة يَدْعون فلا يستجيب الله لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل أعطى مالاً سفيهاً وقد قال الله تعالى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، ورجل له على رجل دين لم يُشْهِد عليه.
وأصل السفيه خفة الحِلْم فلذلك وصف به الناقص العقل. ووصف به المفسد لماله لنقصان تدبيره، ووصف به الفاسق لنقصانه عند أهل الدين، والعلم.
{أَمْوَالَكُمُ} فيه تأويلان:
أحدهما: يعني أموال الأولياء، وهو قول ابن عباس.
والثاني: أنه عنى به أموال السفهاء، وهو قول سعيد بن جبير.
{الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً} قرأ نافع وابن عُمر {قِيَماً} ومعناهما واحد، يريد أنها قُوامُ معايشكم سفائكم.
{وَارْزُقُوهُمْ فيها وأكسوهم} فيه قولان:
أحدهما: أي أنفقوا أيها الأولياء على السفهاء من أموالهم.
{وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} فيه تأويلان:
أحدهما: أنه الوعد بالجميل، وهو قول مجاهد.
والثاني: الدعاء له كقوله بارك الله فيك، وهو قول ابن زيد.
{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى} أي اختبروهم في عقولهم وتمييزهم وأديانهم.
{حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ} يعني الحُلُم في قول الجميع.
{فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً} فيه أربع تأويلات:
أحدها: أن الرشد العقل، وهو قول مجاهد، والشعبي.
والثاني: أنه العقل والصلاح في الدين، وهو قول السدي.
والثالث: أنه صلاح في الدين وإصلاح في المال، وهو قول ابن عباس، والحسن، والشافعي.
والرابع: أنه الصلاح والعلم بما يصلحه، وهو قول ابن جريج.
{فَادْفَعُواْ إِلَيْهِم أَمْوَالَهُمْ} يعني التي تحت أيديكم أيها الأولياء عليهم.
{وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وبِدَاراً أَن يَكْبَرُوا} يعني لا تأخذوها إسرافاً على غير ما أباح الله لكم، وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح، فربما كان في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسرافاً، وإذا كان في التقصير قيل سرف يسرف.
قوله تعالى: {وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ} قال ابن عباس: وهو أن تأكل مال اليتيم تبادر أن يكبر، فيحول بينك وبين ماله.
{وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} يعني بماله عن مال اليتيم.
{وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أنه القرض يستقرض إذا احتاج ثم يرده إذا وجد، وهو قول عمر، وابن عباس، وجمهور التابعين.
والثاني: أنه يأكل ما يسد الجوعة، ويلبس ما يواري العورة، ولا قضاء، وهو قول الحسن، وإبراهيم، ومكحول، وقتادة.
روى شعبة عن قتادة أن عم ثابت بن رفاعة_ وثابت يومئذ يتيم في حجره، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله؟ قال: «أَنْ تَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيرِ أن تقِيَ مَالَكَ بِمَالِهِ وَلاَ تَتَّخِذْ مِنْ مَالِهِ وَقْراً». والثالث: أن يأكل من ثمره، ويشرب من رِسْلِ ماشيته من غير تعرض لِمَا سوى ذلك من فضة أو ذهب، وهو قول أبي العالية، والشعبي.
روى القاسم بن محمد قال: جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال: إن في حجري أيتاماً، وإن لهم إبلاً، فماذا يحل لي منها؟ فقال: إن كنت تبغي ضالتها، وتهنأ جرباءَها، وتلوط حوضها، وتفرط عليها يوم وِرْدِهَا، فاشرب من ألبانها غير مُضِرِّ بنسل، ولا بأهل في الحلب.
والرابع: أن يأخذ إذا كان محتاجاً أجرةً معلومة على قدر خدمته، وهو قول عطاء.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لي مال ولي يتيم، فقال: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتيمِكَ غَيرَ مُسْرِفٍ وَلاَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ». {فَإِذَا دَفَعْتُم إِلَيْهِم أَمْوَالَهُم فَأَشْهِدُواْ عَلَيهِم} ليكون بيِّنةَ في دفع أموالهم إليهم.
{وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً} فيه قولان:
أحدهما: يعني شهيداً.
والثاني: كافياً من الشهود.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8